### **عنوان القصة:** *حين عاد الشتاء إلى المدينة* كانت نوره تسير
بخطوات مترددة في شارع ضيق، تحيط به أشجار النخيل من الجانبين. الهواء
البارد يلفح وجهها، ورائحة المطر تملأ المكان. منذ سنوات، لم تعد إلى هذه المدينة
التي تركت فيها قلبها، واليوم عادت بعد أن تلقت رسالة قصيرة لم تتوقعها: >
“أحتاج أن أراك… الليلة.” كانت الرسالة من سامر. لم تره منذ خمس سنوات، منذ
حين عاد الشتاء أن افترقا على رصيف الميناء في يوم عاصف.
عندما وصلت إلى المقهى الصغير حين عاد الشتاء

عند زاوية الشارع، وجدته جالسًا في نفس الطاولة التي كانا يجلسان إليها دائمًا. لم يتغير
كثيرًا… عينيه ما زالتا تحملان ذلك البريق الذي يجذبها رغم كل شيء. جلسا متقابلين،
والصمت كان يملأ اللحظة أكثر من الكلمات. قطّع سامر الصمت قائلاً: “كنت أراقب
هذه الطاولة كل يوم، على أمل أن تعودي.” أجابت بصوت منخفض: “والآن… أنا هنا.
” بدأت الأمطار بالخارج، وصوتها يتساقط على زجاج المقهى كأنها تعزف لحنًا قديمًا
يعرفانه جيدًا. — بعد ساعة من الحديث عن حياتهما، اقترح سامر أن يرافقها إلى الميناء،
حيث كان آخر مكان جمعهما. كانت الأمواج تضرب الصخور، والهواء البارد يدفعهما للاقتراب
من بعضهما أكثر. وقفا عند السياج المعدني، يتأملان البحر. قال سامر وهو يضع معطفه على
كتفيها: “لقد جربت كل المدن، كل الموانئ، لكن لا شيء يشبه هذا المكان… ولا أحد يشبهك.”
حين عاد الشتاء كانت تلك الكلمات كفيلة بأن توقظ كل الذكريات
التي حاولت نوره دفنها. — في اليوم التالي، اتصل بها ودعاها إلى معرضه الفني
الجديد. كانت الصور تحكي قصصًا عن السفر، الغربة، والبحث عن الذات. لكن في
زاوية المعرض، كانت هناك لوحة كبيرة، صورة لها وهي تضحك على شاطئ المدينة
قبل سنوات. اقتربت من اللوحة، وعيناها تلمعان. همس في أذنها: “هذه الصورة حملتها
معي في كل رحلة… كنت أحتاج أن أتذكرك دائمًا.” — بدأت لقاءاتهما تتكرر، وفي
كل مرة كان هناك شيء جديد يكتشفانه عن بعضهما. مرة يذهبان في جولة بالدراجات
على شاطئ البحر، ومرة أخرى يسهران على سطح مبنى قديم يراقبان النجوم. لكن السعادة
لم تدم بلا تحديات. فقد حصل سامر على عرض عمل في مدينة بعيدة، ما يعني أنه سيضطر
للمغادرة مرة أخرى. كانت نوره ممزقة بين رغبتها في بقائه وتشجيعها له على تحقيق حلمه.
في ليلة سفره، وقفت معه في المطار. قال لها وهو يمسك بيديها: “هذه المرة… لا أريد أن
تكون النهاية.” أجابت وهي تحبس دموعها: “ولا أنا.” — بعد أشهر، عاد سامر فجأة إلى
المدينة، دون أن يخبرها. طرق بابها مساءً، وعندما فتحته، كان يقف هناك بابتسامة واسعة. قال:
“تركت العمل… لم أعد أريد حياة بعيدة عنك.” تجمدت نوره في مكانها، ثم ارتمت بين ذراعيه،
وكأن كل المسافات التي فصلتهما قد تلاشت في لحظة واحدة. — ومنذ ذلك اليوم، لم يعد الشتاء
بالنسبة لهما فصلًا باردًا، بل موسمًا لعودة الحكايات، وميلاد بداية جديدة، لا يشبهها شيء.
